روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | المنهج الأصوليي يمكنه ضبط الدعاة رغم اختلاف مذاهبهم وطوائفهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > المنهج الأصوليي يمكنه ضبط الدعاة رغم اختلاف مذاهبهم وطوائفهم


  المنهج الأصوليي يمكنه ضبط الدعاة رغم اختلاف مذاهبهم وطوائفهم
     عدد مرات المشاهدة: 4239        عدد مرات الإرسال: 0

مع تزايد عدد الدعاة الإسلاميين في مشارق الأرض ومغاربها، يضع أحد الباحثين البارزين في الدراسات الإسلامية، ورئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بشرق السعودية، في كتابه -أثر المنهج الأصولي في ترشيد العمل الإسلامي-، آلية جديدة في إعادة وضبط بعض الممارسات الدعوية من خلال تأصيل القواعد والأصول الضابطة لها.

ويرى الدكتور مسفر القحطاني مؤلف الكتاب، في حديثه مع جريدة الشرق الأوسط، أن هناك بعض الممارسات الخاطئة من قبل الدعاة في تعاملهم مع الأحداث الجارية، والتعامل مع الآخرين، وموقفهم من الآخر، إضافة إلى تعاطي الإسلاميين في العمل السياسي، كذلك تضخم الجانب الوعظي في مقابل البناء الفكري والشرعي، وأيضا الإنصاف والتكامل وتبادل الآراء، وهي مظاهر غير موجودة في العمل الدعوي.

ويركز الكتاب في فكرته، الذي صدر أخيرا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ويقع في 170 صفحة من القطع المتوسط، على إستثمار القواعد الأصولية وتطبيقها على الوقائع المتغيرة في العمل الدعوي، ويرى مؤلفه أن سعة العمل الإسلامي وإنتشاره في العالم وكثرة مشاريعه الإصلاحية تحتاج إلى منهج يضبط له المسير، ويقيه من غوائل الإنحراف بسبب مطالبات الناس أو ضغط الواقع أو إغراءات السياسة والإعلام.

ويقول القحطاني إن المصلحة الدعوية تعتبر أساسا منهجيا لدى الدعاة والعاملين ويطبقونها في حالات كثيرة، حيث لا تخلو تلك التطبيقات أثناء عملهم من توسع مذموم، تضيع فيه ثوابت الدين، كإقرار الإختلاط، والعلاقات بين الجنسين بصورة مطلقة بدون ضوابط شرعية وأخلاقية، أيضا مثل بيع الخمور والإقتراض بالربا لتمويل المشاريع الدعوية، مبينا في الوقت نفسه وجود النقيض، وهو من يلغي العمل بالمصلحة المعتبرة، ويرى أن وسائل الدعوة توقيفية ولا يجوز إحداث شيء منها غير ما كان عليه النبي الأعظم وأصحابه، وهذا غلو وتشديد بعيد عن مقاصد الشرع الحنيف.

لهذا، يسقط القحطاني في كتابه القواعد الأصولية على واقع العمل الإسلامي، نتيجة تخصصه في علم الأصول، وتجربته في الميدان الدعوي، حيث قرر فيها بعض الآليات لترشيد المجال الدعوي، ومعالجة الواقع من ناحية نقد إجتهادي، من أجل تقويم العمل المعاصر.

ويعتقد القحطاني ان إختياره عنوان الكتاب يعود إلى الحاجة إليه، وأن الكثير من الدراسات لم تغط هذا الموضوع تغطية شاملة ووافية في الأدبيات الدعوية، مراهنا على أهمية جدوى تأصيل الممارسات الدعوية وضبطها بالقواعد الشرعية في تخفيف الكثير من الإحتقان والإختلاف بين الدعاة إلى الله، ولعل في تجربة الإمام الشافعي في تخفيف حدّة الخلاف والهوة الواسعة التي حدثت بين أهل الرأي وأهل الحديث في القرن الثاني الهجري منطلقا راشدا في هذا الموضوع، فقد إستطاع ان يجمع بينهم ويؤلّف بين خلافهم من خلال رسالته المشهورة التي هي قواعد وأصول للنظر والإجتهاد جعلت من كل فريق أن يقدر ويفقه دليل المخالف ويعتذر له ويعلم ان لصاحبه منهجا مؤصلا يسير عليه فيفتح مجال الأعذار وقبول المخالف. ويطرح الكتاب عددا من الإشكاليات المعاصرة في الممارسات الدعوية، منها نقد الممارسة الدعوية التي يغلب عليها في بعض القضايا تغليب العواطف بدلا من الشرع والعقل، أو التحرك من خلال ردود الفعل الذي تحدثه بعض المؤسسات الرسمية في مواجهة العمل الإسلامي، أو ضعف الإجتهاد والتجديد الفاعل المؤهل من أصحابه للتعامل مع المستجدات التي تحدث في حياة الناس، ويبتعد المؤلف عن الخوض في الأمثلة في بعض القواعد حتى لا يقف القارئ عند المثال ويجفل من الامتثال، وفي سؤال حول كيفية ترشيد العمل الإسلامي من خلال المنهج الأصولي في ظل تعدد المذاهب والطوائف الإسلامية، يقول القحطاني إن الحاجة الرئيسة للمنهج الأصولي في ان يمارس ضبطه وترشيده لهذا الإختلاف، الذي، قطعاً، سيحدث بين الدعاة والعاملين نتيجة لحجم التغيرات والتحديات التي يعيشها العمل الإسلامي اليوم، ويضيف أنه في عنوان فقه الأولويات، والذي يتطرق له الكتاب في أحد فصوله، يجعل للداعية أو المسلم أينما كان فقهه يقدم من الأعمال أو المبادرات أو المشاريع، إما لكون مصلحتها ضرورية أو لكونها متعدية، أو جوهرية أو آنية التطبيق، أو تدفع من المضار، أو تتنوع بإعتبار إختلاف الزمان والمكان والظروف والأحوال.

وينبغي أن نتعامل مع التحديات والأخطار أو الأصدقاء والأعداء بعين الموازنات والأولويات الشرعية، وربما تأخر عملٌ كان من المهم القيام به في وقت مضى لا يصلح اليوم أن نقوم به، معتقدا -القحطاني- ان طبيعة التواصل العالمي اليوم تفرض الحوار الحضاري وتشجّع القيام به مع مختلف الأجناس البشرية، في حين ذلك لم يكن أولويا قبل عقدين من الزمن، فإذا كان حوار الآخر البعيد أصبح ملحا ومهما فإن القريب المسلم أولى من باب الضرورة لتوحيد الكلمة وتقوية الصف ونبذ الفتنة عن المجتمع المسلم.

لذلك تنمية فقه الداعية وتطوير مدركات الفهم المعتدل لديه من الأمور التي تحقق ائتلافا بين الدعاة وتكاملا في الأدوار وتطورا للمجتمعات ورحمة للناس بدلا من أن يكونوا سببا في الفرقة والعداوة أو سيفا مشهرا لمواجهة المجتمع، أما بالنسبة حول وضع آليات جديدة في عملية الإستنباط للأحكام الفقهية المعاصرة، أعتقد أنه سؤال مهم للغاية، فالنوازل الجديدة تتميز بالتعقيد والتشابك وإختلاف المنشأ لها، فأكثرها قادم من مجتمعات غير مسلمة مثل النوازل الطبية والمصرفية، لذلك كتبت في هذا الموضوع كتابا كان رسالتي في الدكتوراه بعنوان: منهج إستنباط احكام النوازل الفقهية المعاصرة، لأقرر ان المنهج الأصولي الذي يقوم على القرآن والسنة كأدلة ثابتة وقطعية وما يتفرع عنهما من أدلة أخرى كالإجماع والقياس والمصلحة والإستحسان والعرف وغيرها هو ما نحتاجه اليوم وفي المستقبل، مع محاولة التجديد في العرض والتطوير في الآليات وتكميل عمل المجتهد من كونه فرديا إلى أن يكون مؤسساتيا من خلال الهيئات والمجامع، مع ضرورة إعمال القواعد الفقهية في الاستدلال وكذلك اعتبار مقاصد الشريعة في تكوين المجتهد وفي الترجيح بين الأقوال والآراء المختلفة.

أما اعتبار العقل المطلق كدليل مستقل ولو خالف المنصوص الصريح من القرآن والسنة فأعتقد أن هذا مخالفة واضحة لا تُسلّم لأصحابها، كما أن الخضوع للواقع في قبول النص من عدمه لا يخرج عن سابقه في الجنوح عن منهج العلماء الراسخين في النظر.

الكاتب: سامي العلي.

المصدر: جريدة الشرق الأوسط.